توافق عند إغلاق الدنمارك.. وخلافات عند فتح المؤسسات، كيف نفسر ذلك؟
٩
يعتبر نظام الحكم في الدنمارك من أكثر الأنظمة عالية الشفافية في العالم. وكما هو معلوم للجميع، فهو نظام ديمقراطي يرتكز على الدستور وفصل السلطات وحرية الرأي والتعبير والتجمع. والنظام يعمل في إطار الحوار والنقاش ودرجة عالية من التوافق في سن القوانين واتخاذ القرارات بين شريحة واسعة في البرلمان. إن اتفقنا أو اختلفنا مع السلطة، فيتميز النظام في الدنمارك والثقافة السياسية لدى المجتمع بدرجة عالية من الثقة نسبةً لأنظمة أخرى.
الثقة والمساءلة
هناك ثقة بأن السلطة السياسية والإدارية ليست فاسدة سياسياً أو مالياً. أي أن السلطات لا تعمل لمصالح شخصية أو لنخبة صغيرة في المجتمع. هناك أيضاً رقابة صارمة من جهة المعارضة في البرلمان ومن وسائل الإعلام والصحافة. أضف إلى ذلك، أنه يوجد في نظام الحكم أمور دستورية تتيح مسائلة كافة الوزراء في البرلمان، إضافة الى “عقبات دستورية” لدى سن القوانين. فعند سن أي قانون، يوجب وضع مناقشة أولى وثانية وثالثة قبل إقراره. هذه الخطوات وضعت لمنع سن قوانين بسرعة وتهور وتحت أسباب وأهداف شعبوية، ولكي تترك مجالاً للنقاش ودراسة المقترحات والتوصل لاتفاقات وتفاهمات بين الأحزاب.
“ولكن مهما علت أمواج الخلافات، فلا بد من الوصول إلى توافق. فهكذا يعمل النظام السياسي الدنماركي، ولا تستطيع أي حكومة الإنفراد أو الإستمرار بالإنفراد بإتخاذ القرارات. هذا ليس من وحي الثقافة السياسية في الدنمارك. “
عمر بيبي
عندما بدأت أزمة كورونا في الدنمارك، اتخذت الحكومة بعض الإجراءات المتاحة لها دستوريًا. وبدأت العمل على إقرار قانون يتيح لها إتخاذ إجراءات أوسع. تم سن هذا القانون بسرعة بسبب الأزمة، ووافقت عليه كافة الأحزاب السياسية. وهذا القانون خول الحكومة اتخاذ إجراءات دون الرجوع للبرلمان. هو ليس قانون طوارئ، ولكن واسع الصلاحيات، كمنع التجمعات أو التقليص منها، إلغاء ضمانة العلاج خلال شهر واحد وإمكانية منع التجول… الخ. والنتيجة كانت أن هناك حريات وحقوق مضمونة في الدستور تم تقليصها. ومع هذا كان هناك تأييد واسع بين فئات الشعب، وتوافق من كافة أو أكثر الأحزاب في البرلمان. والآن عند بدء الفتح التدريجي، نرى خلافات سياسية وشعبية. فما هو التفسير؟
دينامكية التوصل إلى إتفاق
في الأزمات أو الحروب يصطف المجتمع حول القيادة السياسية، وهذا طبيعي جداً. أي في حالة الإغلاق كان الجميع أو الأكثرية موجودون في سفينة واحدة بسبب الخطر على الجميع. ولكن عند البدء بفتح المؤسسات، مما يعني أن الخطر قل نسبياً، فهنا نزل الكثير وركبوا عدة قوارب. بالتالي حدث تضارب مصالح وأهداف. وهذا أيضاً طبيعيًا في أي مجتمع ديمقراطي. فهناك من يريد أن يتم فتح المؤسسات بسرعة وبنسبة أكبر. وهناك من لا يريد مغادرة السفينة. وهناك شريحة من المجتمع سُمح لهم بالعودة إلى العمل والمدارس وهم لا يريدون، والعكس صحيح.
ولكن مهما علت أمواج الخلافات، فلا بد من الوصول إلى توافق. فهكذا يعمل النظام السياسي الدنماركي، ولا تستطيع أي حكومة الانفراد أو الاستمرار بالانفراد باتخاذ القرارات. هذا ليس من وحي الثقافة السياسية في الدنمارك.