يحيى… حين لا يحسن المجتمع احتضان أبنائه
الموت يخفض كثيرا من وتيرة النقد والرفض، لأنه لحظة اعتبار وتأمل، فارق الحياة الشاب يحيى… بكل ما كان يرافق نشاطه من جدل وتجاوزات لا تنكر على مسَلّمات يحب بعض من نختلف معهم في مفهوم الحرية تسميتها بالتابوهات.
من موقع (الآخَر) فلن أنطلق من مناقشة أفكار الشاب التي ينتابني شك كبير وموضوعي في صحة نسبة كثير منها إلى قناعات حقيقية، خصوصا مع الاحتضان غير الطبيعي من جهات ما لإنتاجه الذي يعتبر متواضعا -برأيي الشخصي- من حيث الوزن الفكري والأدبي والكتابي. لأن مقياس الاحتضان كان (كم تهدم عند الآخرين لا كم تبني عندنا).
ولكنني في معرض الحديث عن شاب راحل -رحمه الله- أعتبره من موقفي الفكري عبّر عن حالة إخفاق مجتمعي عربي لنا هنا في الدنمارك حول كيفية احتضان أبنائنا ورعاية الموهبة حتى تنضج قبل أن يقتطفها غيرنا قبل نضوجها ويعكسها علينا حالة جدل وصراع فكري، القضية التي يجب أن تؤرقنا ليست محاكمة الشاب المتوفى وتصنيف ماكتبه ونشره عبر فيديوهات في منزلة من منازل الإدانة، ولكن المطلوب فعلا أن ندرك أولا أن كثيراً من مراكزنا التوجيهية قد تكون متآكلة من الداخل.
لقد كان الشاب يحيى موهوباً، ولكننا كنا وما زلنا نفقد كيفية الاكتشاف والاستيعاب والرعاية والتوجيه والشحن الإيجابي للموهبة والإبداع
أسماء عباس
لقد كان الشاب يحيى موهوباً، ولكننا كنا وما زلنا نفقد كيفية الاكتشاف والاستيعاب والرعاية والتوجيه والشحن الإيجابي للموهبة والإبداع -وأنا هنا أفسر ولا أبرر- فانحرفت بوصلة الإبداع قبل أن تنضج لتحمل آثار الانطباع النفسي المؤلم الذي يواجهه كثير من أبنائنا في محيط قد يفرض الاستماع للقيم ولكنه لايمثلها ولا يتمثلها، وبذلك كان الموهوب يهب بداياته الإبداعية الأولى لفكر آخر ويهاجم مسَلّمات وثوابت لم يكن يراها حية تمشي على الأرض بل كان يراها رسما ديكوريا يكمل لوحة غير جميلة لمجتمع متهالك من الداخل على كثير من المستويات، وحتى ما فيه من إيجابيات وعناصر حيوية ما كان ليبرزها الإعلام هنا والذي أخذ على عاتقه رصد ما هو مشوه من مجتمعنا.
حين أستعرض هجوم الشاب الراحل من خلال كتاباته العالية الانتشار المتواضعة التجربة الابداعية على معظم ما هو قارّ وثابت من القيم الإسلامية والثوابت -والتي لايمكن القبول بتجاوزها إلا عند من يحملون الفكر الذي لا يسمح لهم بالتعاطي مع الثقافة الجارة لنا في الوطن إلا بالتنازل عما لديه مسبقا-، أشعر بأزمته النفسية أكثر بكثير مما أشعر بموقفه العقلي أو بخطه الإبداعي، وينتابني شعور بالخوف عن نوع الحرية الذي قد تنشده أجيالنا القادمة هنا في ظل نمطية من التفاعل الارتكاسي بيننا وبينهم، ولا أرى في الشاب المرحوم نموذجاً أقدمه لأبنائي كقدوة كما رأيت من يمجد خطه الذي اختاره ومشى فيه -ولكل حرية الاختيار والتعبير عن الرأي-، ومع ذلك فإنني من مناصري الاندماج الذي ينشدون ولكن دون تعدي للشعرة الفاصلة أي خطوطي الحمراء وهي الإساءة لمعتقدي كما أنني لا أسيء لمعتقد أحد، ولكن كل ذلك يجعلني أصمم على البحث مع من يهمه الأمر حول سؤال مصيري: كيف يمتلكنا أبناؤنا ليكون من حقنا أن نمتلك حق توجيههم قبل أن يكون الذوبان العظيم؟