عن “التضامن مع فلسطين” في شوارع أوروبا.. لا الهتاف بالعربية ولا “تكبير” يوصلان الرسالة
أسئلة كثيرة تدور في البال عن تحرك الفلسطينيين والعرب في شوارع أوروبية نصرة لفلسطين.. وهي مستمرة منذ نحو 30 سنة..
هل نخرج إلى الشارع لإقناع أنفسنا بعدالة القضية؟ أم نخرج لأننا نريد للرأي العام أن يرى أن دولة الاحتلال تمارس أبشع أنواع الاحتلالات والتطرف الديني التلمودي ووصولها إلى أوج ممارسات نظام الأبرتهايد؟
بالتأكيد العمل التضامني مهم للغاية، سواء ذلك الذي انخرط فيه قوى أوروبية منذ مذبحة صبرا وشاتيلا 1982 والانتفاضة الأولى في 1987، كان يتزامن مع مجموعة مبادئ شكلت وعي الشارع الغربي، في الوقت الذي كانت فيه نضالات المؤتمر الوطني الأفريقي ضد نظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا بدأت تشكل ضغطا أخلاقيا وسياسيا لإسقاط أي تعامل مع نظام الفصل العنصري الذي انهار نتيجة نضالات داخلية في جنوب أفريقيا، وليست بالتأكيد كلها سلمية، ونضالات في صفوف الأوروبيين.
الفوضى المستغلة
لكن بالعودة إلى سؤال التحرك في الشوارع الأوروبية، فمن تجارب سابقة، يعرفها من شارك فيها (مثلا في آرهوس الدنماركية)، ينفلت أحيانا شريط عاطفي لدى جيل بعينه. فينسى أنه لم يخرج ليقنع الشارع أو يفضح الاحتلال بلغة عربية.. “حملات التضامن” و”الحملات من أجل فلسطين”، التي كان على رأسها شبان وشابات دنماركيين وفلسطينيين كانت دائما ما تعرف وسيلة مخاطبة العقل بلغة أهل البلد.. كهؤلاء الشباب والشابات الذين اقاموا وسط شارع المشاة في آرهوس قبل بضعة أعوام “شارع الخليل” بجدران خشبية وحواجز تفتيش على المارة لإيصال رسالة حول ما يتعرض له فلسطينيو الخليل على يد عتاة التطرف اليهودي..
وفي المظاهرات التي تجوب المدينة، بما فيها تلك التي نظمتها “لجنة مقاطعة إسرائيل” كانت إلى جانب توزيع منشوراتها تهتف بلغة دنماركية واضحة الهدف..
فلم حين يخرج البعض (بعد سنوات طويلة من التجارب) ليتضامن مع غزة والقدس وأهالي الشيخ جراح يحتاج إلى هذه الفوضى المستغلة، كما حدث مثلا في نوربرو في كوبنهاغن، برشق الحجارة واشعال نيران، وربط ذلك بالتضامن مع غزة؟ ألا يقرأ البعض ما يستغله بعض الإعلام (وخصوصا الناشر للبروباغندا الصهيونية، والمعادي بالأصل للمهاجرين) كيف يجري الإساءة إلى القضية الفلسطينية الأسمى من تلك الممارسات؟
سؤال آخر في السياق:
وإذا كنا ما نزال متفقين على أهمية الرأي العام والوعي بالقضية الفلسطينية وبدولة الأبرتهايد وتطبيقها الفعلي لنظام فصل عنصري على أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فما الداعي للهتاف باللغة العربية، وخصوصا خروج أحدهم كل 60 ثانية بصرخات “تكبير”.. ناسيا أن محيطه، أي الغربي الذي أقنعه الأفارقة بأحقية سقوط الأبرتهايد، لا يفهم شيئا من هتافات عربية ولا الصراخ “الله أكبر”.. مخاطبة العقل في الغرب لا تشبه مخاطبة عقل وعاطفة الشارع في العالمين العربي والإسلامي..
وهذا الذي جرى ذات يوم في آرهوس، ويشهد عليه “أبو علي قيس” وغيره، حين فلتت الأمور من احتشاد دنماركي للتضامن مع فلسطين في الانتفاضة الثانية إلى صدام وتكسير محلات في القرب من ساحة البلدية.. فكم استغلته الصحافة والقناة الثانية لاستعراض الفلسطينيين بطريقة مسيئة؟
نعم “الله أكبر” لا جدال حول ذلك.. لكن النقاش المطلوب هو بالفعل البحث عمن نريد أن نتوجه إليه، لا لمجرد الخروج لأحل التنفيس عن الغضب.. فالمعسكر الصهيوني، وللمفارقة يلتقي مع معسكر الفاشيين والعنصريين في اليمن المتطرف، المتهم بأنه معاد للسامية، خبيث جدا في تعامله مع فلسطينيي وعرب المهاجر..
فلا اليافطة بلغة عربية توصل الرسالة ولا الصراخ.. ولا ما كان يمارسه البعض أيام زمان بحمل طفل على الأكتاف محملا ببندقية بلاستيكية يفيد..
المسيرة طويلة
قبل سنوات.. والصور التي بحوزتي كثيرة.. خرجت أفضل التظاهرات في آرهوس بمشاركة الآلاف من الفلسطينيين والعرب والأكراد مع جمهور دنماركي واسع وكبير.. اليافطات بلغة دنماركية.. وأعلام فلسطين مع أعلام أهل البلد (الدنمارك) وبعناية كان الشباب والشابات يهتفون بلغة دنماركية وإنكليزية عن عنصرية وإرهاب دولة الاحتلال والدعوة إلى مقاطعتها وللتضامن مع فلسطين.. فليتأمل من يملك بعض الصور والفيديوهات (من أيام الحرب على غزة في 2014) وليقارنها..
ما تقدم مجرد رأي لأن المسيرة طويلة.. وللتو بدأ الوعي في الصحافة وبين الساسة عن نظام الأبرتهايد الصهيوني.. ودعوات برلمانية لتصنيفه كذلك.. بكل ما يقتضيه اقتصاديا وسياسيا من حيث مقاطعة وفرض عقوبات ومحاصرة دعاية دولة الاحتلال..
ومن يريد أن ينصر فلسطين.. كما فعل شباب وشابات الشيخ جراح، حيث وصلت المتابعة إلى الملايين من كافة أنحاء العالم، فله أن يعمل على قضية واضحة.. وبدون الوضوح، مع حق الشعب بالتأكيد مقاومة الاحتلال بكل الوسائل على أرض فلسطين، يصعب البعض المهمة البسيطة في تظهير أن الشعب الفلسطيني على أرضه التاريخية (7 مليون) يواجهون نظام فصل عنصري.. وتلك الواضحات من السهل جدا حقوقيا وقيميا وإنسانيا أن تعلق في عقل المتلقي الغربي أكثر هتافات وتكبيرات باللغة العربية، لا يفهم مقصدها حتى الدنماركي الذي يسير بجانبك متضامنا معك..
مع الاعتذار من الجميع إن بدا وكأني والعياذ بالله أنظر على أحد.. إنه رأي من وقع تجربة مريرة مررنا فيها كجيل كامل واجه الكثير من التحديات في علاقته بمحيط كان مشبعا بالبروباغندا الصهيونية.. التي ورثت من آباء الستينيات إلى الأجيال التي تعاملنا معها كمجموعة واسعة من الشباب الفلسطيني في سنوات الانتفاضة الأولى..