بعد ١٥ عاما على رحيل الداعية أبو لبن .. مراقبون دنماركيون يتحدثون عن تأثير غيابه على مسلمي البلاد
تحل اليوم الذكرى السنوية الخامسة عشر لوفاة أحد أشهر الدعاة المسلمين في الدنمارك خلال العقود الماضية، الشيخ الفلسطيني أحمد أبو لبن، الذي توفى بعد صراع قصير مع المرض في احدى مستشفيات العاصمة كوبنهاجن يوم 1 فبراير 2007. واليوم بعد مرور 15 عاما على مشاركة الآلاف في مواراة جثمانه الثرى في المقبرة الإسلامية في مدينة Brandy، لاتزال ذكراه حاضرة في صفوف المسلمين في الدنمارك وكذلك في أروقة مقر مؤسسة الوقف الإسكندنافي لخدمات المغتربين التي أسسها الراحل مع مجموعة من الناشطين مطلع عام 1995.
” أبو لبن كان داعية يحمل صفات قيادية واضحة وجلية وكان صاحب رؤية”، بهذه الكلمات اختارت الباحثة الدنماركية في جامعة أهورس، لينيه كوله Lene Kühle ، أن تصف الراحل حيث بينت أنها قابلته أكثر من مرة خلال عملها في إعداد كتاب عن المساجد في الدنمارك.
وتضيف كوله:” أتذكر أنه كان منفتحا جدا على الباحثين ويحرص على أن يشاركنا أفكاره وآرائه حول حياة المسلمين في الدنمارك وكذلك رؤيته لمستقبلهم في الدنمارك”.
وتشير كوله التي تعتبر من أهم الباحثين في مجال المؤسسات الإسلامية في الدنماركية وأصدرت عدة كتب وأبحاث خلال السنوات عن المساجد في الدنمارك، إلى أن أبو لبن كان يعتبر من أهم الشخصيات الإسلامية في الدنمارك وكان لها تأثير ملحوظ خصوصا في صفوف المسلمين السنة من أصول عربية.
وشارك أبو لبن بشكل ملحوظ في النقاش العام في الدنمارك حول الإسلام والمسلمين وكذلك قضايا الشرق الأوسط وكانت وسائل الإعلام تمنحه مساحة للحديث عن هذه القضايا وبدوره كان يخصص مقاعد للصحفيين الدنماركيين في مسجد التوبة أثناء إلقاءه خطبة الجمعة التي كان يحضرها المئات من مسلمي الدنمارك.
شهرة واسعة وتأثير ملموس
واكتسب أبو لبن شهرة واسعة في الدنمارك وخارجها بعد أن لعب دورا بارزا في قضية الرسوم الكارتونية التي نشرتها صحيفة يولاند بوسطن الدنماركية في عام 2005، واعتبرتها المؤسسات الإسلامية في الدنمارك مسيئة للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، ففي حين اعتبرته بعض الصحف الدنماركية محرض على المصالح الدنماركية ومعادي لقيم حرية التعبير، أضحى أبو لبن في عيون بعض المسلمين بمثابة المدافع القوى عن المقدسات الإسلامية.
ومن جانبه لفت الباحث في جامعة كوبنهاجن والمختص في أحوال المسلمين في الدنمارك النظر، بريان أرلي ياكوبسين Brian Arly Jacobsen، إلى أهمية الدور الذي لعبه أبو لبن على حياة المسلمين في الدنمارك خلال فترة نشاطه وأضاف:” أبو لبن كان شخصية كاريزمية وقيادية في صفوف المسلمين في الدنمارك، ولعب دورا محوريا في صفوف المسلمين العرب السنة، حيث نجح في بناء مؤسسة دينية إسلامية تضم عدد كبير من الجنسيات العربية والغير عربية في فترة كانت أغلب المؤسسات محصورة بجنسية واحدة، وأيضا ترك بصماته على طريقة تطبيق واتباع التعاليم الإسلامية في الدنمارك”.
الغياب عن الساحة والابتعاد عن النقاش
وحول تأثير غيابه خلال السنوات الماضية على المسلمين في الدنمارك بشكل عام وعلى مؤسسة الوقف الإسكندنافي قالت الباحثة لينيه كوله:” لاحظنا خلال السنوات الماضية تراجع في حضور الأئمة والمؤسسات الإسلامية في الخطاب الإعلامي والنقاش السياسي حول المسلمين في الدنمارك، وهذا سببه بشكل أساسي طبيعة النقاش الحادة، وأيضا التجارب السلبية التي حدث مع بعض الأئمة أثناء أزمة الرسومات وكذلك بعد قضية الفيلم الوثائقي الذي بثته قناة TV2 في عام 2015″.
وتابعت كوله:” بالنسبة للوقف الإسكندنافي فدوره وتأثيره على الخطاب الإعلامي تراجع بشكل ملحوظ بعد غياب أبو لبن، ويبدو أن القائمين على المؤسسة اليوم اختاروا أن يبتعدوا عن الإعلام والمشاركة الفعالة في النقاش حول المسلمين في البلاد، وهذا يمكن أن نعتبره نهج مغاير لما كان سائدا أثناء حياة أبو اللبن، حيث كان مسجد التوبة في Dortheavej يعتبر من أهم المساجد في البلاد”.
واشارت الباحثة إلى التغيرات الكبيرة التي حدثت على المؤسسات الإسلامية في الدنمارك، حيث تم بناء مساجد جديدة على الطراز الإسلامي بمآذن وقباب في العاصمة كوبنهاجن وفي مدن أخرى من البلاد، مما دفع وسائل الإعلام إلى زيارتها في حال كان هناك حاجة لتسليط الضوء على حياة المسلمين في البلاد.
وأبدت الباحثة كوله استغرابها لعدم نجاح إدارة الوقف حتى اللحظة في مساعيها لتطوير مقره الذي افتتحه أبو لبن في عام 1995 وكذلك عدم مواصلتها لنهج ابو لبن في التعامل مع وسائل الإعلام والمؤسسات البحثية الدنماركية والذي كان يتميز بدرجة عالية من الانفتاح والرغبة في إثراء النقاش العام عن المسلمين في الدنمارك ومحاولة التأثير في واقعهم ومستقبلهم.
أما الباحث في جامعة كوبنهاجن، بريان يوكابسون، فاعتبر تراجع الدور الإعلامي والسياسي للوقف يأتي في سياق انسحاب أغلب المؤسسات والشخصيات الإسلامية من أصول عربية من هذا المجال، بسبب عدم قدرتهم على مجاراة الوتيرة السريعة والحادة التي تعتمدها وسائل الإعلام وكذلك بسبب انشغالهم في المحافظة على بنية المؤسسات الداخلية وتوفير الموارد المالية والبشرية لتشغيلها وأضاف:” الوقف مازال مؤسسة هامة في صفوف المسلمين من أصول عربية ويتمتع بشعبية ملحوظة في العاصمة كوبنهاجن، حيث أن عدد رواد صلاة الجمعة مرتفع مقارنة بالمساجد الأخرى ومازال يوفر نشاطات اجتماعية ودينية لفئات مختلفة”.
وأردف قائلا:” ولكن على الصعيد السياسي والإعلامي فلا يمكن أن نقول أن الوقف حافظ على مكانته التي كان يتمتع بها اثناء حياة أبو لبن، فالقليلون في الساحة السياسية والإعلامية اليوم يعرفون الوقف أو يهتمون بآرائه ومواقفه”.
وهذا ما وافقت عليه الباحثة، لينه كوله، بقولها :” أغلب المؤسسات الإسلامية في الدنمارك تضع نفسها اليوم في موضع الدفاع عن النفس وتختار الاعتزال عن النقاش حول المسلمين في الدنمارك والانضواء داخل مقراتها، وهذا لا يتناسب مع رؤية أبو لبن وإرثه، حيث أن الراحل كان من خلال خطبه وكتاباته دائما يدعو المسلمين إلى الانفتاح على المجتمع ومحاولة لعب دور فعال ومؤثر “.
ومن الجدير بالذكر أن الراحل ولد في فلسطين عام 1946، وهاجرت أسرته في عام 1948 إلي مصر، حيث تربي هناك، وفي عام 1969 تخرج في كلية الهندسة، قسم الميكانيكا، وتزوج من ابنة عمه عام 1974، وأنجب منها 7 أبناء. وعمل في شركات النفط في الخليج العربي ونيجيريا، في الفترة من 1970 حتى 1984، ثم سافر إلى الدنمارك، حيث قضي بقية حياته، وعمل في الدنمارك خطيباً وإماماً ومستشاراً دينياً، ولعب دورا بارزا في تأسيس الوقف الإسكندنافي عام 1995، وهي مؤسسة إسلامية توفر العديد من الخدمات للمسلمين.
وتوفي أبو لبن بعد إصابته بمرض سرطان الرئة يوم 1 فبراير 2007 عن عمر يناهز 60 عاما.
تعليق واحد