عرب الدنمارك وثقافة اللامبالاة
ونحن نقترب من موعد الانتخابات البرلمانية، والتي من المتوقع أن يتم إجراؤها في شهر أكتوبر القادم، تتجلى بطريقة لا لبس فيها ثقافة اللامبالاة التي يعشقها السواد الأعظم من عرب الدنمارك، فهم يعيشون تحت هذه السماء الملبدة بالغيوم صيفا وشتاءً، ولكنهم لا يهتمون بما هو فوق هذه الأرض، لا من قريب ولا من بعيد، وكأنهم جاءوا إلى هنا فقط لجمع المال وإنجاب الأطفال، فقط لا غير. وإلا فكيف يمر قرار الحكومة في عام ٢٠٢٠ بوضع تصنيف خاص بالشرق الأوسطيين في بعض إجراءات الإقامة واللجوء ومعاملات تأشيرات السفر، بدون أن يصدر أي رد فعل جماعي ومنظم من عرب الدنمارك.
عندما ننظر للحالة العربية العامة في الدنمارك، يتجلى أمامنا مشهد من الصعب استيعابه. فلا مشاركة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية جماعية ومدروسة وفعالة في هذا المجتمع الذي فتح لنا الأبواب ولكننا أبينا إلا أن نبقى في صوامعنا ومساجدنا وكنائسنا ونوادينا وفي بيوتنا أمام شاشات التلفاز، نتعامل مع هذا المجتمع على مبدأ ردود الفعل واستسلمنا للمعادلة التي وضعها اليمين الدنماركي ومعظم الأحزاب السياسية، وأصبح خطابنا الإعلامي، إن وجد، ينبني على ” أخرس، وريح رأسك”، فننظر اليوم إلى المؤسسات والجمعيات العربية وبعد مرور أكثر من ستة عقود على قدوم أول عربي إلى الدنمارك فلا نكاد نراها أو نسمع صوتها، وكأن هذه القيادات التي تتربع على “عروشها الوهمية” لم تفق بعد من الغيبوبة التي ارتضتها لنفسها وارتضاها أبناء الجالية العربية لها.
نعم، فهؤلاء “الزعماء” في غيبوبة فكرية وغياب واضح عما يدور في هذا البلد. فما المعنى من أن يطلق الشخص على نفسه بأنه رئيس رابطة، أو مجلس أو مركز أو وقف أو جمعية أو ملتقى أو تجمع أو جمعية شبابية أو جمعية نسائية بدون أن يشارك بفاعلية في المجتمع الذي يعيش فيه. ولكن الغريب كيف يقبل عرب الدنمارك بهذه الزعامات وكيف تسلق هؤلاء سلم القيادة؟ حتى أصبح بعضهم يتحدث باسم الجالية العربية والإسلامية في المؤتمرات الخارجية وهو في حقيقة الأمر معزول هنا ولا يعرف ماذا يدور حوله في المجتمع ولا في صفوف الجالية، فكيف أصبح هذا الحال هو واقعنا؟!
حالة مزرية للعمل الجماعي
أنا أرى أن أهم عامل ساهم في تجسيد هذه الحالة المزرية للعمل الجماعي العربي في الدنمارك، هو الغياب غير المفهوم لفئة المثقفين والأكاديميين عن المشهد المؤسساتي العربي في البلاد، بالرغم من وجود آلاف الأطباء والمهندسين والكتاب والأكاديميين من أصول عربية في صفوفنا، إلا أننا لا نشعر بوجود أي دور فاعل لهم في صياغة أي من جوانب المشهد العربي هنا. بالتأكيد، هناك نجاحات عربية شخصية كثيرة على الساحة الدنماركية، وأنا أرى وأقدر جميع هذه الطاقات، ولكن أنا هنا أتحدث عن طبيعة مساهمة هذه الشخصيات في رفع مستوى العمل الجماعي العربي؟ أين اتحادات الأطباء العرب في الدنمارك؟ أين لجان العمل النقابي العربي؟ أين جمعيات الأدب والفكر العربية؟ وأين جمعيات الإعلاميين العرب؟ وأين “رجال” الأعمال العرب؟ وأين .. وأين..
للأسف الشديد فثقافة اللامبالاة بالعمل الجماعي العربي لا تقتصر على الجيل الأول، ولكن أيضاً موجودة بشكل ملحوظ في صفوف الجيل الثاني، حيث ترى أغلبية كبيرة من الشباب من أصول عربية غير مبالين بما يحدث حولهم وعاجزين عن تحديد هويتهم وانتمائهم. وكيف لا يحدث ذلك وهم تربوا على ثقافة الأنانية والنجاحات الفردية. فعندما ينظر الشخص لمراكز المتطوعين الموجودة في التجمعات السكنية التي يسكنها العرب، والتي تقوم بمساعدة تلاميذ المدارس لتأدية واجباتهم المدرسية ترى أن أغلب المتطوعين من أصول دنماركية ولا يوجد بينهم أي شاب أو شابة من أصول عربية على الرقم من أن أغلبية التلاميذ المستفيدين من هذه البرامج ينحدرون من أصول عربية، فلماذا يحدث هذا؟!
الطرشان والعميان
ولا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين ما يملكه عرب الدنمارك من حقوق وإمكانيات اقتصادية وبشرية وواقع تطبيقهم واستفادتهم منها، ففي بلد يقدس الديمقراطية المحلية ويحث جميع سكانه على المشاركة الفعالة في كل مجالات الحياة ويمنحهم الحق في قول كلمتهم في كل القرارات التي تتخذ في البلاد، تجد عرب الدنمارك ومسلميه وكأنهم لا يدركون هذه الحقوق، فتنظر إلى تمثيلهم في المجالس البلدية والمحلية ومجالس السكان والطلبة والأحياء فتكاد لا تراهم.
وللأسف أيضا فإن ثقافة اللامبالاة لا تقتصر على المشاركة السياسية، بل تنتشر في أغلب المجالات، حتى في الطعام تراهم لا يبالون بمصدره وجودته، المهم لديهم هو سعره. وكذلك في تربية الأطفال والتواصل مع المجتمع بطريقة إيجابية.
فهل سيتغير هذا الواقع قريباً؟ هل سنرى مشاركة أكبر في الانتخابات القادمة؟ هل سنشهد محاولات للنهوض بالثقافة العربية في الدنمارك؟ هل سنرفع مستوى التعليم في مدارسنا ومستوى الوعي في جمعياتنا الدينية والثقافية والاجتماعية؟ والأهم من هذا كله: هل سنرى وجوهاً جديدة ونسمع أصواتا تنادي بالتغيير؟
هذه أسئلة قليلة حول الواقع المرير ومحاولة للبحث عن أسباب انتشار ثقافة اللامبالاة في صفوف عرب الدنمارك، فربما يسمع “الطرشان” أو يبصر “العميان”.