الشاب أحمد ترك عمله في الدنمارك وتطوع لمدة 5 أسابيع داخل قطاع غزة
كوبنهاجن-غزة (خاص نبض الدنمارك)
عدد كبير من الشباب العرب والمسلمين في الدنمارك عبروا خلال الأشهر الماضية عن شعورهم بالحسرة وقلة الحيلة وهم يشاهدون ما تفعله آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة في قرى ومدن وأحياء قطاع غزة، وانتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الأنباء والمعلومات حول عدد كبير من النشاطات والفعاليات في مدن دنماركية مختلفة، حيث تنوعت المبادرات بين وقفات احتجاجية ومسيرات ليلية، وأمسيات ثقافية، وعروض أفلام، ومحاضرات.
الشاب أحمد جمعة كان يشاطر أبناء جيله هذا الشعور، ولكنه في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي اتخذ قراره بضرورة التحرك لدخول غزة وتقديم المساعدة لأهلها، فحزم حقيبته وتوجه إلى العاصمة المصرية القاهرة.
وعن هذا القرار يقول أحمد جمعة، 40 عاما، في مقابلة مع موقع نبض الدنمارك:” بعد متابعة المشاهد القاسية التي نقلتها وسائل الإعلام شعرت بأنني يجب أن أفعل شيء لصالح أهل غزة المظلومين، وأحسست أنه هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على كاهلي لأني أنحدر من جذور فلسطينية تفرض علي تقديم كل ما أستطيعه لأبناء شعبي، فقررت أن لا استمر بروتيني اليومي وأخذت إجازة مفتوحة من عملي وتوجهت إلى جمهورية مصر العربية”.
صعوبة الدخول لغزة
وعندما وصل جمعة إلى القاهرة اصطدم بواقع صعب حسب تعبيره:” طائرتي هبطت في القاهرة يوم 3 ديسمبر الماضي وكنت متعطش للذهاب لغزة في نفس اليوم ولكني اكتشفت أن العبور نحو غزة يحتاج لعدد كبير من التصاريح والموافقات”.
ويبين جمعة أنه قضى الأسابيع الثلاثة الأولى من إقامته في القاهرة يتنقل بين المؤسسات والجمعيات بهدف التعرف على الطريقة الأفضل التي يستطيع من خلالها مساعدة أهل غزة وأضاف:” بعد ثلاثة أسابيع تعرفت على مجموعة من العاملين في العمل الإغاثي في جمعية “الإنسانية”، وبدأت أعمل معهم في مهام لوجستية تتمحور حول إعداد شاحنات المواد الغذائية وإرسالها إل معبر رفح”.
وأشار جمعة أنه بدأ بشكل موازي بتعبئة الأوراق المطلوبة والتواصل مع الجهات المعنية بهدف الحصول على إذن لدخول غزة وهذه العملية أخذت تقريبا شهرين ونصف.
فرحة ممزوجة بالألم عند دخول غزة
ومع بداية الربيع حصل جمعة على تصريح لدخول قطاع غزة عبر جميعة بريطانية اسمها سوان وبالتحديد في الـ 18 من مارس/آذار الماضي عبر الشاب أحمد جمعة الشريط الحدودي إلى القطاع المحاصر. وعن شعوره بعد أن لامست قدماه أرض غزة يقول:” شعوري وأنا أتنفس هواء غزة لا يوصف: مزيج من السعادة حيث دخلت غزة بعد أشهر من المحاولة وهذه أول مرة تطأ فيها قدماي أرض أجدادي، كان حقاً شعور متناقض: فرح ممزوج بالقلق والألم، فأنا الآن في منطقة تتعرض لحرب إبادة ولكني كنت فخور لقدرتي على المساهمة في تقديم المساعدة لأهل غزة من مسافة صفر”.
معاناة عصية على الوصف وقوة عزيمة تأسر القلوب
وحول ما شاهده أثناء تواجده في القطاع الذي تبلغ مساحته حوالي 360 كيلو متر مربع قال جمعة:” في كل شارع وحارة وبيت رأيت ظلم كبير و”تعتير” وفقر و”شحططة”.” وأضاف:” سمعت وشاهدت رجال تبكي ورجال صامدة ولامست صلف العيش وللغرابة أيضًا لامست وشعرت بالأمل والصمود وإيمان قوي بالله” .
وتحدث جمعة عن واقع يومي تحت أزيز طائرات المراقبة على مدار الساعة وصوت هجمات الطائرات الحربية وأصوات قذائف الدبابات وهي تدك أطراف مدينة رفح وأضاف:” كان إرهاب ممنهج من قبل الاحتلال”.
وفي مقابل وصفه لتصرفات الاحتلال وآلة حربه بكلمات مؤلمة بدأ جمعة بالحديث برقة عن عادات أهل غزة تحت وابل القصف والرصاص:” ما هو عجيب أنني وفي نفس الوقت شاهدت أطفال عندهم إرادة ورغبة كبيرة للاستمتاع بكل ثانية من الفرح والمرح، الناس في غزة عندهم قدرة عجيبة على صنع السعادة في الحياة ولديهم أيضًا عزة نفس كبيرة”.
ويدلل أحمد على عزة النفس عند أهل غزة بالقول:” في بعض جولات توزيع المساعدات كنا نلاحظ تعفف الناس ويبدؤون بتوجيهنا إلى مناطق أخرى تحتاج المساعدات بشكل أكثر، وهذا تصرف أثار انتباهي”.
وبين جمعة أنه أقام في مدينة رفح أثناء تواجده في القطاع ولكنه أيضا استطاع التنقل بين رفح وخانيونس ومخيمات المنطقة الوسطى ومدينة دير البلح، حيث قام بتوزيع مياه الشرب ووجبات جاهزة وخضروات طازجة وبعض احتياجات النظافة الشخصية بالتعاون مع جمعية خيرية في غزة.
دعم من الأسرة وشغف لاحتضان أطفال غزة
وحول تعامل أسرته في الدنمارك مع قراره الذهاب لغزة قال أحمد:” أهلي في الدنمارك عبروا منذ البداية عن خوفهم على حياتي وأمني الشخصي، ولكنهم كانوا يقدرون رغبتي في دعم غزة وتفهموا شغفي وأنا كنت حريص دائمًا على التواصل معهم، خصوصا والدتي”.
وبعد أكثر من 5 أسابيع من التواجد في غزة يقول جمعة:” أشعر اننا قمنا بعمل كبير هنا ووصلنا كثير من المساعدات، الظروف هنا في غزة جدًا جدًا صعبة، الوضع فعلا يكسر القلب ومهما فعلنا فنحن لا نستطيع أن نعطي غزة حقها، كل ما نعمله نقطة في البحر بالنسبة لاحتياجات الناس”.
ولفت أحمد النظر مرة أخرى للظروف التي يعيش في ظلها أطفال غزة من أكثر من 200 يوم وأضاف:” هذا كله لا يعتبر أي شيء أمام ما يعيشه أطفال غزة، فهم بالفعل يعيشون في جهنم تحت هذه الظروف: خوف ورعب وشح في المياه والطعام ولا يوجد بنية تحتية وغياب الأمان وخوف من المستقبل القريب والبعيد “.
مسؤولية فلسطيني الدنمارك.. العمل المؤسسات أولاً
وحول ما يستطيع أن يقدمه فلسطينيو الخارج وخصوصًا المتواجدون في الدنمارك وإسكندنافيا قال جمعة:” بعد تجربتي في غزة أرى أن هناك مسؤولية كبيرة على عاتقنا تجاه أهل غزة، يجب ألا نكتفي فقط بتنظيم المظاهرات والاعتصامات وجمع التبرعات، على أهمية هذه الفعاليات، يجب أن تأخذ تحركاتنا منحنى أفضل وأقوى يبدأ بتأسيس مؤسسات قوية تستطيع أن تضغط على السياسيين وتؤثر على الرأي العام بشكل مستدام، هذه المؤسسات يجب أن تتمتع بهيكلية صلبة وتمتلك علاقات واسعة مع جميع فئات المجتمع الدنماركي”.
وأسترسل جمعة قائلاً:” الذي اكتشفته بعد انخراطي في العمل الخيري هو أن هناك أشخاص كثيرون يقومون بعمل جبار على النطاق الشخصي ونحن كجالية عربية مسلمة نمتلك قدرات فردية رائعة وعظيمة من النساء والرجال، ولكن هذا النجاح الفردي لا نستطيع ترجمته لنجاح جماعي ولا نستطيع القيام بذلك لافتقارنا للمؤسسات وهيمنة عقلية “الفزعة”، ما يحتاجه أهل غزة وفلسطين هو عمل منظم برؤية واضحة، يترجم عبر وجود مؤسسات قوية تحترم التعددية وتحمل هم فلسطيني جامع، هذا هو هو معيار احترامنا لأنفسنا واحترامنا لتضحيات أهل غزة وفلسطين”.
على مدار الأشهر السبعة الماضية شهدت الدنمارك العديد من النشاطات والفعاليات التي نظمتها جمعيات ومؤسسات مختلفة للتضامن مع قطاع غزة،موقع نبض الدنمارك سيسلط الضوء خلال الأسابيع القادمة على مبادرات ملهمة تم رصدها خلال الفترة القادمة، كما رسم تضاريس العمل التضامني مع القضية الفلسطينية في الدنمارك.